(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. logo الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
63267 مشاهدة print word pdf
line-top
رمي الجمار قبل الزوال في اليوم الثاني عشر

وسُئِلَ حفظه الله:
نسب إليكم فتوى في جواز رمي الجمار (قبل الزوال) لمن أراد التعجل في اليوم الثاني عشر أي: ثاني أيام التشريق ؟ وقد نشرت في جريدة المسلمون؟ فهل هذا صحيح وما هو دليلكم في ذلك؟
فأجاب:
اتصل بنا صاحب الجريدة المذكورة هاتفيا، وذكر ما حصل في الحج الماضي (عام 1414هـ) من الوفيات، وسأل هل من رخصة في تقديم الرمي ؟.
فذكرت له أن هناك قولا لأبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد بجواز الرمي قبل الزوال للمتعجِّل، حيث ذكر ذلك صاحب المغني، والزركشي في شرح مختصر الخِرْقي وصاحب الإنصاف، ولكن صاحب الجريدة تجرأ ونسب الفتوى إليَّ بخط بارز، ومعروف أن أصحاب الصحف يبالغون في نشر مثل هذا، فجعلوا العنوان كبيرا كما قرأتموه، أو قرأه بعضكم، وهم بذلك يريدون لفت الأنظار، مع أني إنما حكيت الرواية التي ذكرها في المغني وغيره، ولم أفصح أنني أختاره، إنَّما أقول أنه جائز للضرورة، عندما يخاف الإنسان على نفسه، وهذا القول لمن أراد التعجل، أما الذي لا يريد التعجل فليس له أن يرمي إلاّ بعد الزوال.
وبكل حال فالأصل أن وقت الرمي في أيام التشريق بعد زوال الشمس، كما ثبت في الحديث عن ابن عمر وجابر وعائشة وغيرهم، وهو قول الأئمة كلهم، ذكره ابن قدامة كما في المغني مع الشرح (3-476)، لكنه ذكر أن إسحاق بن راهويه وأصحاب الرأي، وهم الحنفية، رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال، ولا ينفر إلاَّ بعد الزوال، وعن أحمد مثله، ورخص عكرمة في ذلك أيضا، وقال طاووس يرمي قبل الزوال ، وينفر قبله… إلخ.
وهكذا ذكر في الشرح الكبير في نفس الصفحة: وقال الزركشي في شرحه على مختصر الخِرَقي (3-279): والرواية الثانية إن رمى في اليوم الآخر قبل الزوال أجزأه، ولا ينفر إلاَّ بعد الزوال (والثالثة) كالثانية إلا أنه إن نفر قبل الزوال لا شيء عليه، قال في رواية ابن منصور إذا رمى عند طلوع الشمس في النفر الأول ثم كأنه لم ير عليه دما اهـ.
وذكر القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ (سورة البقرة ، الآية:203) (3-9) ، عن عطاء أنه سمعه يذكر أنه رخص للرعاء أن يرموا بالليل في الزمن الأول، وذكر أنه روي مرفوعا عند الدارقطني وغيره، وعلله بأنه أرفق بهم وأحوط فيما يحاولونه من رعي الإبل.
وقال مالك إذا تركه نهارا رماه ليلا، وعليه دم في رواية ابن القاسم ولم يذكر في الموطأ أن عليه دما.
وقال الشافعي وأبو ثور ويعقوب ومحمد إذا نسي الرمي حتى أمسى يرمي ولا دم عليه، وكان الحسن البصري يرخص في رمي الجمار ليلا، وقال أبو حنيفة يرمي ولا شيء عليه.
ويمكن أن يستدل على تقديم الرمي يوم النفر الأول بظاهر قوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ حيث إن اليوم يعم أول النهار وآخره.
وبعد هذا التفصيل وذكر الأقوال أقول:
أنه في هذا الزمان وخاصة ما حدث في الحج الماضي كما تعرفون من الزحام الشديد، مما أدَّى إلى الوفيات، وقد ذكر بعضهم أن من أسباب هذا الزحام هو: أن كثيرا من المطوفين يؤكدون على الحجاج التابعين لهم بأن يأتوا إليهم في المكان الفلاني في الساعة الثانية بعد الظهر مثلا، ومن لم يأت فإننا سوف نسير ونتركه، ومن المعلوم أن هؤلاء المطوفين معهم أعداد كبيرة من الحجاج تصل إلى مئات الألوف فيضطر هؤلاء كلهم إلى التجمع عند الجمرة قبل الزوال ، حتى إذا كان الزوال رموا جميعا ليتمكنوا من الوصول إلى مطوفيهم في الموعد المحدد، وهنا يحدث الزحام الشديد عند الرمي وفي طريقهم ذهابا وإيابا، وبعدها يذهبون لطواف الوداع، ثم يرجعون إلى المكان الذي وعدوا فيه، وقد لا يقدرون على ذلك في ساعتين، فلأجل ذلك يحتشدون بهذه الأعداد الكبيرة في وقت واحد ثم لا تسأل عما يحدث بعدها من الوفيات الكثيرة.
وكان الأولى لهؤلاء المطوفين ألا يشددوا هذا التشديد على حجاجهم، وعليهم أن يرفقوا بهم، وينتظروهم ولو تأخروا إلى الساعة الثالثة أو الرابعة ، أو الخامسة مثلا حتى يتكاملوا وحتى لا يتكلفوا ويضطروا بأن يرموا جميعهم في الساعة الثانية عشر والنصف في لحظة واحدة، ويحدث من المشاكل والوفيات مثل ما حدث ويحدث كل عام.
ولو ذهبت إلى الجمرات عند الساعة الثانية ونحوها لوجدت المكان خاليا أو خفيفا من الزحام لأن الكل أو الأغلب قد رموا وخرجوا.
ولن يكون لهذه المسألة حل إلاَّ بأحد أمرين:
الأول: إما التوسعة والرخصة في الرمي للمضطر قبل الزوال بساعة أو ساعتين ولو لم يخرج إلا بعد الزوال.
الثانية: أو يلاحظ على المطوفين أن لا يشددوا على حجاجهم هذا التشديد، ويجب على وزارة الحج أن تأخذ على أيديهم وتعمل لهم برنامجا ينظمهم حتى يتفادوا الأخطار، والوقوع في الأخطاء، والله أعلم.

line-bottom